تدهور الكتاب المدرسي لصالح الكتب الخارجية:
رغم أن الدروس الخصوصية تمثل أكبر الأثقال الجاثمة على جسم حركة التعليم كاتمًا لأنفاسه نحو انطلاقة التطوير، فإن الكتاب المدرسي في صورته الراهنة يعتبر هو الآخر خطرًا وعائقًا في تحقيق هدف الانطلاق في تطوير التعليم وتحقيق أهدافه في التنمية والتطوير، وخاصةً أن إعداد وطباعة الكتاب المدرسي يعتبر أحد مجالات ممارسات الفساد في قطاع التعليم، حيث تطبع وزارة التعليم سنويًّا ملايين النسخ من الكتب المدرسية لكل المراحل التعليمية، وترتبط ممارسات الفساد المتعلقة بالكتاب المدرسي بأكثر من مستوى ومظهر، منها ما يتعلق بالسطو على حقوق الملكية الفكرية، حيث يقوم بعض الناشرين بالاعتداء على حق ناشر آخر، أو يقوم المؤلف والناشر معًا بالسطو على كتاب سبق طباعته ونشره. ومن بين نماذج هذا الفساد التحقيق الذي نشرته مجلة الأهرام العربي عام 2006 حول السطو على حقوق المؤلفين والناشرين في الكتب المدرسية، وأشارت فيه إلى العديد من النماذج؛ فكتاب "على مبارك" المقرر على المرحلة الإعدادية على سبيل المثال سطا عليه شخص، ونزع غلافه الأصلي ووضع عليه غلاف آخر، وعدّل الصفحة الأولى الخاصة بالمقدمة ووضع اسم مراجع آخر للكتاب وتم نشره.
كذلك نجد في كتاب "خديجة بنت خويلد" المقرر على الصف السادس الابتدائي، أنه قد تم نزع غلافه الأصلي ووضع غلاف آخر عليه باسم شخص آخر كمؤلف. أما كتاب "شجرة الدر" المقرر على الصف الخامس الابتدائي فقد سطا عليه شخص وراجعه شخص آخر. ويظهر أن التحقيق يشير إلى أن المؤلف السارق يحصل على مبلغ 30 ألف جنيه عن كل كتاب في السنة.
وهناك شكل آخر من أشكال الفساد المرتبط بالكتب المدرسية هو أن كمية كبيرة منها رغم قيام الوزارة بطباعتها لا يتم تسليمه للتلاميذ، وقد لا تصل للمدرسة من الأصل، ويكون مصيرها في النهاية تّجار الورق المستعمل أو لاستخدامات أخرى غير مرتبطة أصلاً بالتعليم أو بالعملية التعليمية التي من أجلها تم نشر هذه الكتب.
ومن ممارسات الفساد المرتبطة أيضًا بالكتاب، العيوب الخاصة بالمضمون والإخراج الفني؛ فالمفترض في الكتاب المدرسي أن يكون مفيدًا للطالب، وأن يساعد المدرس على الشرح، وأن يقدم المادة العلمية بطريقة صحيحة وجذابة، لا أن تكون طباعته سيئة، وإخراجه غير جذاب، وفقيرًا من حيث الابتكار والتشويق، أو مملوءًا بالأخطاء مثل قصة "واإسلاماه" المطبوعة بطريقة جيدة، ولكن بها أخطاءً كبيرة، وهي التي تؤكد على أنه لا توجد مراجعة حقيقية على الكتاب.
وتمتد ممارسات الفساد إلى مسابقات التأليف التي لا يتم الإعلان عنها بدرجة كافية من الشفافية، فأحيانًا يعلن عنها خلال الأجازات الرسمية، وعند التقدم لأخذ الشروط من الوزارة قد لا يستطيع المتسابقون الحصول عليها. كما أنه من غير الواضح وحتى الآن أن نظام المسابقة بين دور النشر المتبع منذ ثلاث سنوات قد أدى إلى تفادي معظم تلك الممارسات الفاسدة في إنتاج الكتاب المدرسي.
وعلى الجانب الآخر فإن العديد من ممارسات الفساد التي تتعلق إعداد الكتاب المدرسي وطباعته، وتأخير تسليمه للطلاب فإنها تصب مباشرة في صالح ناشري الكتب الخارجية، والذين تحولوا بدورهم إلى جماعة ضغط حقيقية تضم المؤلفين والناشرين وأعداد أخرى من كبار المدرسين والموجهين ومستشاري المواد التعليمية، والذين أثبتت التجربة على قدرتهم على مناهضة أي اتجاه حقيقي لتطوير أساليب التعلم تتجاوز الاعتماد على الكتاب المدرسي كمصدر وحيد للتعلم والمعرفة. هذا بالإضافة إلى المقاومة الموجودة لأي محاولة لتطوير نظام وأساليب الامتحانات والتقييم تتجاوز قياس القدرة على الحفظ والاستظهار. والتي تعتبر أنها من المهارات التي يتعامل معها الكتاب الخارجي الذي يسعى لضغط المعلومات المطلوب حفظها لأدنى درجة.
وحتى جهود الوزارة لإدخال تكنولوجيا المعلومات واستخدامها كوسيط من وسائط التعلم يتم إجهاضها عبر الفئة التي تحاول تحويل الكتاب الخارجي المطبوع إلى قرص مدمج يمكن استعراض محتوياته على شاشة الكومبيوتر. وتستمد تلك المجموعة قوتها ونفوذها من ضخامة حجم الاستثمارات الموظفة في طباعة الكتب الخارجية ونشرها والتي تصل إلى ما يقرب من مليار ونصف مليار جنيه سنويًّا، وهي تشكل تكلفة إضافية على نفقات التعليم تدفعها الأسر المصرية لتصل لأبنائها عونًا لهم في عمليات الحفظ والاستظهار والنجاح في الامتحانات.
وتمثل هذه الكتب الخارجية ظاهرة قد لا توجد إلا في بلدٍ كمصر، وهى الدولة التي توزع كتبًا على الطلاب لا تستخدم جميعها نتيجة لجوء أعداد كبيرة منهم إلى البدائل الأخرى من الكتب الخارجية، حيث إن العديد من الدراسات تشير إلى أن أغلبية الطلاب لا تقرأ الكتب المدرسية الرسمية.
هذا وفي مواجهة أشكال الفساد المرتبطة بالكتاب المدرسي، نجد أن هناك ضرورة ملحة للتعامل مع هذه القضية لتوفير مليارات الجنيهات سنويًّا، والتي يمكن توجيهها إلى مجالات أخرى تنهض بالعملية التعليمية. وذلك من خلال العديد من الرؤى التي يمكن اللجوء إليها وتنفيذها كحزمة واحدة، خاصة أنها لن تشكل عبئًا إضافيًّا على الموارد المخصصة للتعليم بقدر ما يمكن أن توفر فيها.
وتشمل هذه المقترحات ضرورة تجاوز الوضع الحالي الذي أصبحت فيه الوزارة مؤلف وناشر من خلال اللجوء –كما يحدث حاليًّا- إلى مسابقة متكاملة تحدد محتوى الكتاب ومضمونه ومواصفات طباعته وإخراجه الفني، والذي ينبغي إعادة النظر في صورته الحالية، وربما تبسيطه وأعاده هيكلته للعمل على زيادة ثقة الطلاب في الكتاب ومحتواه. وخاصةً أن الطلبة في العادة يشكون من كبر حجم الكتاب وكثرة المعلومات الموجودة به، وربما الحشو والتكرار في بعض الحالات.
وعلاوة على ذلك، ينبغي إعادة النظر في المنظومة الكلية للتعليم بحيث تتيح أنظمة التعليم رجوع الطلاب إلى المراجع المتخصصة وارتياد المكتبات ودراسة الموضوعات، ومن أكثر من زاوية أو وجهة نظر لتعميق الفهم والاستيعاب وبناء عقلية الطالب بطريقة سليمة.
كذلك ينبغي مراجعة نظام المسابقات في إنتاج الكتب المدرسية في نظير تحمل الوزارة لهذا العبء. ويتم تقييمها لتحديد مدى ملاءمتها في تحديد عرض المادة العلمية، خصوصًا وأن عددًا من مؤلفي مسابقات دور النشر هم ممن شاركوا في تأليف الكتب الوزارية من قبل. وقد بدأت أصوات ناقدة لمنهج الناشرين، وخاصةً أنه قد تم صدور أحكام على طرق التحكيم للكتب ونقد بالنسبة لتفضيل بعض دور النشر على غيرها، مما ترددت أصداؤه في أجهزة الإعلام.
ويرى بعض التربويين أنه لتفادي المشكلات الخاصة بالمسابقات بين دور النشر، وضمانًا لتوفير كتب علمية موثوقة بصحة وجدية مادتها، فإنه من الضروري التزام الوزارة بتحمل مسئولية إعداد المنهج الذى يحتل فى النهاية وجهة نظر الدولة فيما يجب أن يحصل عليه الطالب فى مرحلة سنية معينة من معارف ومهارات تؤكد أيضا هويته وتدعم القيم الأساسية الواجب دمجها فى وجدانه، وطريقة تقويم الطالب والمدرس والمدرسة، ويتأكد ذلك فى المرحلة الثانوية ارتباطا بالمرحلة التالية له فى التعليم العالي. وهذا يقتضي تكليف لجان علمية لكل مادة دراسية، وقيام الوزارة باختيار أعضائها من الموثوق بهم من أعلام الأساتذة الجامعيين المشهود لهم في ريادة تخصصاتهم، مع الاستعانة بالمقررات الأجنبية في تلك المرحلة.
المراجع
http://www.developmentgateway.com.
http://web.worldbank.org
http://humandevelopment.bu.edu
مكتبة الاسكندرية