القانون
الدولي
لم يتم الاهتمام بالقانون الدولي للأنهار
الدولية إلا حديثًا,
وفي السنوات الأولى من القرن العشرين عندما
بدأت تتعقد العلاقات الدولية المتعلقة باستخدام مياه الأنهار الدولية.
إذا
لم تكن الأنهار الدولية واستخداماتها واستغلالها في القرن التاسع عشر وبداية القرن
العشرين من الأهمية بحيث تتطلب تنظيمًا دوليًا,
حيث كانت احتياجات الناس محدودة,
وكان التطور العلمي والفني في مراحله الأولى
من التقدم ومن ثم انحصرت الاتفاقيات التي ابرمت على تنظيم الملاحة في الأنهار
الدولية وبالنظر إلى حالة حوض نهر النيل والصراع المائي بين دول الحوض فأننا نستطيع
القول أنه لا يوجد إطار قانوني جامع مانع يحدد بشكل واضح ومتفق عليه مختلف المسائل
الإجرائية,
وينظم بدقة سائر الشئون القانونية للنظام
الهيدرولوجي لحوض النيل
( ).
وبالتالي
فإنه من البديهي أن غياب الإطار القانوني الجامع الذي يحظى بقبول الجميع يفتح
مجالاً للصراع المائي الدولي بين دول حوض النيل وسوف يتم استعراض ذلك من خلال
الاتفاقيات بين دول حوض النيل وتحليلها ثم بيان كيف يفتح ذلك مجالاً للصراع وما هي
مجالات الصراع بين الدول.
الاتفاقيات الدولية المائية بين دول حوض النيل
:
لقد
تم عقد العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بين دول حوض النيل وإن كان معظمها
ثنائيًا.
حيث يوجد ما يزيد على عشر وثائق واتفاقيات
دولية قائمة على تنظيم واستغلال المياه في النهر منها ما تم توقيعه في الفترة
الاستعمارية بواسطة القوى الاستعمارية كدول متعاقدة نيابة عن مستعمراتها في ذلك
الوقت ومنها ما تم توقيعه بعد حصول تلك الدول على الاستقلال كاتفاق
1959
الموقع بين مصر والسودان.
أولاً
:
بروتوكول
1891
وقعت
بريطانيا وإيطاليا في
15
أبريل
1891
بروما بروتوكولاً يحدد مناطق نفوذهما في دول الحوض
الواقع في شرق أفريقيا حتى مشارف البحر الأحمر ويقضي البند الثالث منه ألا تقوم
إيطاليا بتشييد أي أعمال على نهر عطبرة من شأنها أن تعمق انسيابه إلى النيل على نحو
محسوس وهي الفقرة الوحيدة التي تعني بتنظيم استغلال المياه
( ).
وجوهر
هذه الاتفاقية هو التزام أطرافها بعدم إقامة أو تنفيذ أي مشروعات مائية على حوض نهر
عطبرة الأثيوبي
–
السوداني,
بغير التشاور مع مصر مسبقًا.
ثانيًا
:
معاهدة
1902
في
15
مايو
1902
تم توقيع في أديس أبابا على معاهدة بين بريطانيا
والإمبراطورية الأثيوبية لترسيم الحدود بينها وبين السودان.
تنص بصراحة على تنظيم استغلال مياه النيل والأزرق
وبحيرة تانا ونهر السوباط وضرورة الأخطار المسبق قبل الشروع في أية مشروعات من قبل
أثيوبيا من شأنها أن تؤثر على انسياب المياه
( ).
ثالثًا
:
اتفاق
1906
بين بريطانيا والكونغو
وقعت كل من بريطانيا ودولة الكونغو على اتفاق بلندن
في 9
مايو
1906
تعهدت فيه حكومة الكونغو بألا تقيم أو تسمح بإقامة أي
اشغال على نهر
"
سمليكي"
أو نهر
"
سانجو
"
أو بجوار أي منهما,
يكون من شأنها خفض حجم المياه التي تتدفق في
بحيرة ألبرت,
ما لم يتم ذلك بالاتفاق مع الحكومة السودانية
( ).
رابعًا
:
اتفاق
1906
بين فرنسا وبريطانيا وإيطاليا
ينص البند الرابع منها على أن تعمل هذه الدول معًا
على تأمين دخول مياه النيل الأزرق وروافده إلى مصر
( ).
خامسًا
:
اتفاقية عام
1925
مجموعة من الخطابات المتبادلة بين بريطانيا وإيطاليا
وتعترف فيها إيطاليا بالحقوق المائية المكتسبة لمصر والسودان في مياه النيل الأزرق
والأبيض وتتعهد بعدم إجراء إشغالات عليهما من شأنها أن تنقص من كمية المياه المتجهة
نحو النيل الرئيسي.
سادسًا
:
اتفاقية
1929
عبارة عن خطابين متبادلين بين كل من رئيس الوزراء
المصري آنذاك محمد محمود وبين المندوب السامي البريطاني لويد,
وكان الخطابين موقعين بتاريخ
7
مايو
1929
ومرفق بهما تقرير للجنه المياه الذي سبق إعداده في
عام 1925
وكان توقيع بريطانيا على هذه الاتفاقية نيابة
عن كل من السودان وأوغندا وتنجانيقا
(تنزانيا
حاليًا),
وأهم ما ورد في تلك الاتفاقية
:
أ-
ألا تقام بغير اتفاق مسبق مع الحكومة المصرية
أعمال ري أو توليد قوى أو أي إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التي ينبع
منها سواء في السودان أو في البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية من شأنها انقاص
مقدار المياه الذي يصل لمصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على أي وجه يلحق
ضررًا بمصالح مصر.
ب-
وتنص الاتفاقية أيضًا على حق مصر الطبيعي
والتاريخي في مياه النيل
( ).
سابعًا
:
اتفاقية لندن
1934
بين كل من بريطانيا نيابة عن تنزانيا وبين بلجيكا
نيابة عن روندا وبوروندي وتتعلق باستخدام كلا الدولتين لنهر كاجيرا.
ثامنًا
:
اتفاقية
1953
موقعة بين مصر وبريطانيا نيابة عن أوغندا بخصوص إنشاء
خزان أوين عند مخرج بحيرة فكتوريا وهي عبارة عن مجموعة من الخطابات المتبادلة خلال
عامي 1949
و
1953
بين حكومة مصر وبريطانيا,
وأهم نقاطها هي
:
أ-
أشارت الاتفاقيات المتبادلة إلى اتفاقية
1929
وتعهدت بالالتزام بها ونصت على أن الاتفاق على بناء
خزان أوين سيتم وفقًا لروح اتفاقية
1929 .
ب-
تعهدت بريطانيا في تلك الاتفاقية نيابة عن
أوغندا بأن إنشاء وتشغيل محطة توليد الكهرباء لن يكون من شأنها تخفيض كمية المياه
التي تصل إلى مصر.
تاسعًا
:
اتفاقية
1959
وقعت بالقاهرة بين مصر والسودان وجاءت مكملة لاتفاقية
1929
وليست لاغية لها,
حيث تشمل الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة
لكل من مصر والسودان في ظل متغيرات جديدة ظهرت على الساحة آنذاك وهو الرغبة في
إنشاء السد العالي وتضم اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل على محدد من البنود من
أهمها :
أ-
احتفاظ مصر بحقها المكتسب من مياه النيل
وقدره 48
مليار متر مكعب سنويًا وكذلك حق السودان
المقدر بأربعة متر مكعب سنويًا.
ب-
موافقة الدولتين على قيام مصر بإنشاء السد
العالي وقيام السودان بإنشاء خزان الروصيرص على النيل الأزرق وما يستتبعه من أعمال
تلزم السودان لاستغلال حصتها.
ج-
كما نص هذا البند على أن توزيع الفائدة
المائية من السد العالي والبالغة
22
مليار متر مكعب سنويًا,
توزع على الدولتين بحيث يحصل السودان على
14
مليار متر مكعب وتحصل مصر على
7.5
مليار متر مكعب ليصل إجمالي الحصة السنوية لمصر
55.5
مليار متر مكعب و
18.5
مليار متر مكعب للسودان.
د-
قيام السودان بالاتفاق مع مصر على إنشاء
مشروعات زيادة إيراد النهر بهدف استغلال المياه الضائعة في بحر الجبل وبحر الزراف
وبحر الغزال وفروعه ونهر السوباط وفروعه على أن يتم توزيع الفائدة المائية والتكلفة
المالية الخاصة بتلك المشروعات مناصفة بين الدولتين.
ه-
إنشاء هيئة فنية دائمة مشتركة لمياه النيل
بين مصر والسودان.
عاشرًا
:
اتفاقية
1991
بين مصر وأوغندا التي وقعها الرئيس مبارك والرئيس
الأوغندي موسيفني,
ومن بين ما ورد بها
:
أ-
أكدت أوغندا في تلك الاتفاقية احترامها لما
ورد في اتفاقية
1953
التي وقعتها بريطانيا نيابة عنها وهو ما يعد اعترافًا
ضمنيًا باتفاقية
1929.
ب-
نصت الاتفاقية على أن السياسة المائية
التنظيمية لبحيرة فيكتوريا يجب أن تناقش وتراجع بين كل من مصر وأوغندا دخل الحدود
الأمنة بما لا يؤثر على احتياجات مصر المائية
( ).
ومن خلال هذه الاتفاقيات نلاحظ أنه لا يوجد
اتفاقية جماعية تجمع كل دول حوض النيل وأن الموجود الآن هو اتفاقيات قديمة كانت ذات
طابع ثنائي
( ), لذلك فهي لا تحظى بالقبول العام من جميع
دول الحوض.
إن
مياه النيل المشتركة بين عشر دول ليس هناك قانون دولي يحكمها,
كما أنه ليس هناك اتفاقية مشتركة بين جميع دول
حوض النهر بشأنها,
ومن ثم تصبح الحاجة ملحة لاتفاق جماعي بين دول
حوض النيل.
فغياب
الإطار القانوني الحاكم له الجامع لدول حوض النيل قد ترك أثاره حتى الآن على
العلاقة بين دول حوض وذلك نظرًا لأن هذه الاتفاقيات هي اتفاقيات ثنائية في غالبها,
فأنها لا تشكل إطار قانونيًا جامعًا لحوض
النيل وقد بادرت دول الأحباس العليا لحوض النيل بإعلان رفضها وتبرئها من تلك
الاتفاقيات بعد حصولها على الاستقلال,
ومن ناحية أخرى فأن الإطار القانوني الذي يتم
التفاوض بشأنه في إطار مبادرة حوض النيل
(NBI)
والتي مرت بجولات تفاوض كثيرة نجد أن الخلاف
بات حادًا على الإطار القانوني الحاكم لهذه المبادرة حتى الوقت الراهن وبخاصة بعد
مفاوضات شرم الشيخ
14
أبريل
2010
ولم تستطيع دول حوض النيل التوصل إلى اتفاق نهائي
بشأن الإطار القانوني وانقسمت دول الحوض في اختلافها إلى فريقين,
دولتي المصب مصر والسودان ومن ناحية اخرى دول
"
المنبع النهائية
"
فلا تعترف دول المنبع بحقوق مصر التاريخية في حصتها
فيحوض النيل والاتفاقيات المبرمة في فترة الاستعمار وقد بدأت أزمة بين مصر ودول حوض
النيل عندما طالبت أوغندا وكينيا وتنزانيا التفاوض مع مصر بشأن حصتها من مياه النيل
عام 1964
ووقعت تنزانيا مع روندا وبروندي اتفاقية عام
1977
تنص على عدم الاعتراف باتفاقية
1929
كذلك اثيوبيا التي قام عام
1984
بتنفيذ مشرع سد
"
فيشا
"
أحد روافد البحر الأزرق مما يؤثر على حصة مصر بحوالي
5
مليارات متر مكعب وتدرس أديس أبابا حاليًا مشروعات
مشتركة مع إسرائيل على النيل مباشرة يفترض أنها ستؤثر على حصة مصر
( )
وهو سوف يتم شرحه تفصيليًا لاحقًا.
من
خلال التحليل السابق يلاحظ أن اتفاقيات نهر النيل عانت منذ مدة طويلة بل وحتى الآن
ولو على نحو غير مباشر معاناة شديدة ومزمنة ناتجة عن الموجات العاتية من الاعتراضات
التي تعصف بها بين الحين والآخر ونستطيع أن نجزم بأنه لم يلق اتفاقيات نهر دولي أخر
معاناة مثل اتفاقيات نهر النيل التي مثلت دومًا
(بؤرة
حساسة)
في العلاقات بين دول حوض النيل بعضها البعض أو
علاقاتها مع الدول الأخرى.
وكان الخلاف دومًا على الاتفاقيات التي عقدت
في الحقبة الاستعمارية
( ).
ومن
ثم فأن هذه الاتفاقيات الثنائية لا تحظى بالقبول الكامل من دول حوض النيل.
ولذلك فأن الوضع القانوني أدى إلى أن أصبح
النظام الإقليمي لحوض النيل يخلو من أي إطار قانوني مؤسس عام وشامل ويحظى بقبول
مختلف الدول النامية.
وساهم
ذلك الوضع في خلق بيئة ملائمة لإمكانية ظهور منازعات مائية في حوض النيل وبالتالي
فن الوضع القانوني يمثل محدد لإمكانية وجود صراع في حوض النيل.
وهو ما يعني أن الوضع القانوني في حوض النيل
قد شكل محددًا للصراع المائي بين دول المصب من ناحية ودول المنبع من ناحية أخرى.
وقد
خلق هذا الوضع مجالات للخلاف والصراع بين هذه الدول حول
:
1-
الصراع حول تقاسم المياه المشتركة في حوض
النيل,
والدعوة إلى إعادة توزيع الحصص والأنصبة
المائية بين الدول.
2-
الصراع حول مدى
(مشروعية)
الاتفاقيات السابقة التي وقعت في نهايات القرن
التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين ومدى مرجعيتها كإطار قانوني ينظم المسائل
الإجرائية
http://www.watersexpert.se/Alnile.ht