تاريخيا حوض النيل كانت
تديره دولة استعمارية هي بريطانيا نيابة عن الدول التي تستعمرها، ماعدا إثيوبيا
وإريتريا
,وبقية
دول حوض النيل كانت تديرها بريطانيا ولذلك كان للبريطانيين الفنيـين ضلع كبير
في تحديد السياسات وتوجهاتها من جهة
,من
الجهة الأخرى فإن مصر والسودان وَقَّعا اتفاق لم يقبلها الآخرون أو لم يشتركوا
فيه،لكن الحقيقة التي لا جدال فيها أن مصر والسودان هي من الدول الأساسية في
استعمال مياه النيل عبر سبع قرون من الزمان، وثقافة وحضارة وادي النيل المعروفة
في كل كتب التاريخ هي مبنية أساسًا على مياه النهر، بدون النيل مصر وشمال
السودان لا يسويان شيء ولذلك فمياه النيل تعني بالنسبة لهما، وهذا الأمر أقرته
الحكومتان السودانية والمصرية.....لذلك
بعد بناء السد عقدت اتفاقية
1959
وهي اتفاقية لتنظيم تقاسم المياه بعد بناء السد
العالي بين مصر والسودان ، وكانت امتدادًا لاتفاق سابق وُقِّع سنة
1924
بين مصر وحكومة السودان تحت الحكم الثنائي المصري
الإنجليزي المشترك، بمعنى أن الوضع القائم-أصلاً-في
حوض النيل
:
أنه لم تكن هناك اتفاقيات لتقاسم المياه بين دول
الحوض العشرة ولا بين دول الحوض، ولم تكن إلا بين دولتين هما:
مصر والسودان، اتفاقية
1959
كانت لتقسيم المياه الآتية فعلاً إلى مصر
والسودان....من
هنا نخلص الى حقيقة ماثلة على ارض الواقع ان اتفاقية
1959
لم تطمح أبدًا أن تكون اتفاقية لتقسيم المياه بين
كل دول حوض النيل
!!..ومن
ثم فإن هذه الاتفاقية كانت لمعالجة هذه الوضع فقط ، لكنها لا تلغي استعداد مصر،
وفيما أظن استعداد السودان للتوصل لأي اتفاقيات مع دول الحوض أساسها تنمية
الموارد، وإنقاذ ما يُهدر من مياه في جميع أنحاء حوض النيل-وهي
نسبة بالغة الضخامة والفداحة
-
يهدر من مياه النيل أكثر من
84%
من إجمالي موارد الحوض من المياه
!!..هنا
يجب أن نذكر بمشروع قناة جونجلي في السودان، المشروع الذي كان يقصد به منع تبخر
كميات كبيرة جدًّا من مياه النيل الأبيض في السودان و هذا المشروع مصر والسودان
تبنوه بالمشاركة، بالمناصفة في التكلفة، وبالمناصفة من الفوائد المائية
المتوقعة ، لكن الحرب الأهلية في جنوب السودان هي التي أجهضت المشروع، المشروع
الذي لازال قائما، و اتفاقاته الدولية لازالت قائمة وملزمة، ولكن المشاكل اللتي
حصلت في الحرب الأهلية في جنوب السودان، والتمرد الذي زحف على الآليات، وعلى
تكسير المشروع هو الذي أوقف هذا المشروع...
كما هو معلوم
56ان
%من
مياه النيل ينـتج من المرتفعات الإثيوبية,
ومع ذلك فإن معدل الاستفادة من ماء النيل
هو أقل من
2%،
و المساحات المزروعة في إثيوبيا هي
8
آلاف هكتار فقط ، بينما يوجد في مصر أربعة ملايين
هكتار مروية، وفي السودان مليون ونصف تقريبًا، وحاليا في إثيوبيا المطر متدهور
جدًّا و الازدياد السكاني يتفاقم
....لذلك
نجد ان إثيوبيا تتحدث عن أنها بحاجة لستة مليار متر مكعب لري
8
آلاف هكتار
!!..وفى
عام
1978 في ذروة الأزمة السياسية بين مصر
وإثيوبيا في عهد الرئيس الراحل أنور السادات والرئيس الإثيوبي المخلوع
(مانجستو)
في أثناء حرب الأوجادين بين الصومال
وإثيوبيا، انحازت مصر إلى الصوماليين، وتوترت العلاقة بين مصر وإثيوبيا، وهدد
مانجستو ببناء مشروعات على النيل لمنع تدفق المياه بالتعاون مع إسرائيل
,
وعندها هدد الرئيس المصري أنور السادات إثيوبيا
بقصف أي مشروع مائي يقام في إثيوبيا على نهر النيل!!...لان
الحصة التي تأخذها مصر من مياه النيل أكثر بكثير من الحصة التي تأخذها السودان
حسب الاتفاقية لعام
1959...فالسودان
بما فيها من أراضي زراعية
-
رغم أن عدد سكان مصر أكثر
-
يعطي للسودان الحق في طلب المزيد من حصص المياه
!!..لان
السودان كان متضرر من الاتفاقية القائمة سنة
1924،
حيث كان نصيب السودان أربعة مليارات متر مكعب فقط بينما مصر تأخذ
48
مليار متر مكعب، وكان هناك حاجة وضرورة لمراجعة
هذا الاتفاق خاصة وكان السؤال على أي أسس يجب توزيع المياه؟هل على أسس عدد
السكان، أم على أسس الأراضي القابلة للزراعة؟ أم أي أسس؟!!..
لذلك
حدثت مباحثات في
1957
و
1958
ومحاورات كبيرة جداً في هذا الأمر،باءت بالفشل....لان
السودان كان يطالب
-على
الأقل-
30 مليار، على أساس أن ليه أراضي زراعية
كبيرة، وكان متشددا في رأيه، ثم نزل إلى خمسة وعشرين مليار، وكان متشددا في
رأيه، ولا زال السودان يطالب بحقوقه المائية إلا أن صراعاته الداخلية أجلت
الامر الى اجل غير مسمى ....
اما باقي دول حوض النيل
مثلاً :
أوغندا تنزانيا، كينيا، الكونغو، وبوروندي
لم تكن كثيرًا تهتم بمسألة المياه، لأن لها مصادر مائية أخرى كثيرة جدًّا، ولأن
طبيعة إفريقيا تستقبح استعمال مسألة الماء تجاريًّا وسياسيًّا، ولكن الآن بما
أن هذه الدول تتطور صناعيًّا، وبما أن موارد المياه تشح، مثلاً هطول الأمطار
غير مُتكهَّن حاليًا،والجفاف وما شابه ذلك، فهذه الدول بحاجة إلى مياه حوض
النيل أيضًا، وعليه فنرى أن هذه الدول حاليًا تتصدر قائمة الذين يدعون إلى
إيجاد حصة وافية من هذه المياه..
لذلك صرح وزير المياه والرى التنـزاني في
مقابلة معه
-
بالعامية
-
على قناة الجزيرة:"
يعني لما عايزين يعملوا مياه في أوغندا في
كمبالا كان لازم يمشوا للقاهرة عشان يأخذوا الاتفاق، طبعًا لمياه الشرب، وكذلك
لمياه أخرى"
!!...لذلك لاتستعجب اذا وجدت الخبراء
يسألون في تنزانيا:
لماذا تحتاج مصر إلى تحويل أكثر من
5
مليارات متر مكعب من الماء إلى صحراء سيناء بينما
توجد مناطق واسعة جدًّا في تنزانيا وكينيا للزراعة؟!..
اما بالنسبة لإسرائيل
(مع
أنها ليست من دول الحوض
)
فقد ارتبطت منذ أكثر من ثلاثة عقود وجود إسرائيل
في هضبة الحبشة بمشاريع وسدود، طبعًا إسرائيل ككيان ضار يسعى لإلحاق الضرر
بالمصالح المصرية ،ولكن على أرض الواقع فمصر قد وَقَّعت على اتفاقية السلام مع
إسرائيل، وهناك ترابط واضح بين مصر وإسرائيل
!!..
اذا المشكلة ببساطة أن أثيوبيا تتحرك بشكل منفرد
في بناء سدود ترى الحكومة المصرية رسميا تأثيرها على حصتها المائية، والتي
لاتعترف أثيوبيا أيضا بما تلزم به الاتفاقيات الدولية بسببها....
فضلا عن ثقل العنصر الإسرائيلي كعنصر مهدد
للأمن القومي المصري في المشروع الأثيوبي...سد
النهضة الأثيوبي سيحجز خلفه أكثر من
200
مليار متر مكعب من المياه
,
يعني تقريبا قدر حصة مصر في أربع سنوات
,
و المشكلة إن هناك سدود أخري في الخطة الأثيوبية
و هذه السدود تحتاج إلي سنوات لحجز المياه المطلوبة خلفها من النيل الأزرق
,
و النيل الأزرق هو المصدر الرئيس لدول
المصب و ليس النيل الأبيض
...
تكمن المشكلة في جدولة تدفق المياه خلف السدود
...
و مفتاح المفاتيح مع إسرائيل التي سنلجأ
إليها راكعين طالبين تدخلها و سيكون الثمن مياه أيضا ستحملها ترعة السلام إلي
حدودها
!!... وهذا وارد جدا وليس بمستبعد
!!
لان المطامع الإسرائيلية في مياه النيل المار في
الأراضي المصرية
...
بدأت بعرض من الرئيس السادات توصيل مياه النيل
لإسرائيل مقابل تنازلها عن القدس، وتمت مواجهة هذا العرض بمعارضة مصرية عنيفة
قبل أية معارضة من أي دولة من دول حوض النيل،و لكن إذا قررت مصر تصدير المياه
لإسرائيل مستقبلا فهذا ممكن فنيًّا ، ولكنه غير ممكن سياسيًّا و قانونيًّا...لكن
من الجانب الإسرائيلي بالطبع هناك خطط متكاملة وضغوط حقيقية ومشروع إليشع-كالي
ومشروع تعديل العشوائيات الجغرافية في الشرق الأوسط في توزيع المياه، لكن مصر
حاليا ترفض هذا جملة وتفصيلاً، ونجحت في إبقاء مياه النيل خارج المفاوضات
متعددة الأطراف للسلام في الشرق الأوسط
!!...لكنه
ليس خفيا على أحد أن إسرائيل لها دور في هذه المشكلة نظرا لرغبتها في الضغط على
مصر وحصر دورها في المنطقة وذلك من خلال نفوذها داخل حوض نهر النيل وذلك لتقديم
المساعدات المالية والفنية داخل حوض النهر وذلك للتأثير على حصة مصر وبدعم عدم
الاستقرار والأمن بمنطقة البحيرات العظمى للتاثير على مستقبل دول حوض النيل...
اثيوبيا هى المصدر لكل مياه
النيل الأزرق
(بما
فى ذلك نهر عطبرة)
والبالغة حوالى
63
مليار متر مكعب، وهى أيضاُ المصدر لحوالي نصف
مياه النيل الأبيض والبالغة
22
مليار....وهذا
يعنى أن اثيوبيا هى مصدر
74
مليار متر مكعب
(وهى
تُمثّل حوالي
86%)
من اجمالي مياه النيل البالغة
84
مليار متر مكعب....
ويتضح أيضاً أن اثيوبيا تتشارك فى أنهارها
مع اثنتى عشر دولة أخرى هى مصر والسودان وجيبوتى والصومال واريتريا ويوغندا
وتنزانيا وكينيا وبوروندى ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، إضافةً الى
دولة جنوب السودان الجديدة....لقد
بدأ التفكير فى اثيوبيا فى استغلال مياه أنهارها الإثنى عشر فى ستينات القرن
الماضى...
وبحكم العلاقة الوطيدة التى كانت تربط
نظام هيلاسيلاسي بأمريكا وقتها، وكردٍّ على ارتباط نظام عبد الناصر بالإتحاد
السوفيتى وتمويل السوفيت للسد العالى بمصر، فقد قامت إحدى المؤسسات الأمريكية
بدراسةٍ مكثّفة ومتعددة الجوانب للإستغلال الأمثل لموارد المياه في اثيوبيا.....
أوضحت الدراسة أن الطاقة الكهربائية التى
يمكن استغلالها من مياه الأنهار في اثيوبيا تزيد عن
30,000
ميجاواط
(يمكن
فهم مغذى هذه الأرقام إذا أخذنا فى الإعتبار أن كافة الطاقة الكهربائية
المُولّدة من السد العالى هى حوالى
2,000
ميقاواط، وأن الطاقة الكهربائية القُصوى التى
يمكن توليدها من خزان مروى هى حوالى
1,250
ميجاواط)...
هذا وتجدر الإشارة إلى أن بعض الدراسات
اللاحقة أشارت إلى أن الـ
30,000
ميجاواط هذه يمكن توليدها فقط من منظومة النيل،
وأنّ إجمالى الطاقة المتاحة من أنهر اثيوبيا يفوق الـ
45,000
ميجاواط، وهى أكبر طاقة كهربائية متاحة في
أفريقيا بعد تلك التى تتميز بها جمهورية الكونغو الديمقراطية....
انشغلت اثيوبيا بحروبها
الخارجية
(اريتريا
1960 –
1991، وكذلك
1998 -2000،
وحرب الاوجادن التى اشتعلت مع الصومال عامى
1977 -1978)
وبحروبها وثوراتها الداخلية والتى انتهت
بسقوط نظام منجستو فى عام
1991....
إنشغال اثيوبيا بحروبها الخارجية
والداخلية وظروفها الإقتصادية السيئة وقلّة التمويل الخارجى بسبب هذه الظروف
حدّت من آمالها فى تنمية طاقتها الكهربائية خلال القرن الماضى، واكتفت اثيوبيا
ببناء عددٍ قليل من السدود الصغيرة خلال ستينات وسبعينات القرن الماضى
معظمهاعلى نهر أواش....
لكن هذا الوضع تغيّر كثيرا مع بداية هذا
القرن عندما بدأت اثيوبيا فى تخطيط وتنفيذ برنامجٍ طموح لعددٍ كبير من السدود
الكبيرة على نهر أومو وعلى منظومة النيل التى تشمل النيل الأزرق ونهر عطبرة
ونهر السوباط وروافدها
!!..
وعندما توقفت الحروب مع جيران اثيوبيا وانتهت الى
حدٍّ كبير حروبها الداخلية، وشرعت اثيوبيا إثر هذا الإستقرار في مشاريع تنموية
ضخمة، تساعدها فى ذلك علاقاتها الجديدة والجيّدة مع الدول الغربية وارتفاع
أسعار البُّنْ الإثيوبى عالمياً والنمو المتزايد للإقتصاد الإثيوبى وكذلك
الدراسات التى أشارت الى وجود كمياتٍ ضخمة من الغاز الطبيعى فى إقليم الأوجادن
فى اثيوبيا، إضافةً إلى ظهور جمهورية الصين الشعبية كمستثمرٍ وممولٍ وبانٍ
للسدود ومتلهفٍ للموارد الطبيعية خصوصاً فى أفريقيا....
أكملت اثيوبيا خططاً مفصّلة لبناء
اقتصادها شملت دراساتٍ تفصيلية للإستفادة القصوى من مواردها المائية....
من ضمن هذه الدراسات تلك التى أصدرها
البنك الدولى بالتعاون مع الحكومة الاثيوبية عام
2006
بعنوان
"اثيوبيا:
إدارة الموارد المائية من أجل الزيادة
القصوى للنمو القابل للإستمرارية"...
الجدير بالذكر تاريخيا ان
هناك تجاهلات كبيرة إرتكبتها مصروالسودان بحق اثيوبيا فيما يتعلق بمياه النيل
في الماضي.....
فقد رفضت مصر والسودان مشاركة إثيوبيا في
مفاوضات مياه النيل في خمسينيات القرن الماضي والتي تمخضت عنها اتفاقية مياه
النيل لعام
1959 بين مصر والسودان....
كما تجاهلت مصر والسودان طلبات إثيوبيا
بمدها بمعلوماتٍ عن السد العالي وكلٍ من خزاني الروصيرص وخشم القربة وكذلك
مشروعي توشكا وقناة السلام...
لقد تمّ هذا الرفض والتجاهل على الرغم من
أن إثيوبيا هي المصدر لحوالي
86%
من مجمل مياه نهر النيل،
(59%
النيل الأزرق، و14%
نهر السوباط، و13%
نهر عطبرة)...يقع
سدّ الألفية الذي تنوي إثيوبيا بناءه على النيل الأزرق على بعد حوالي
40
كيلومتر من الحدود مع السودان....
والغرض من السد هو توليد حوالي
5250
ميجاواط من الكهرباء، ويخلق السد بحيرةً تبلغ
سعتها
62 مليار متر مكعب من المياه وهي ضعف سعة
بحيرة تانا، وحوالي نصف سعة بحيرة ناصر...
وإذا قُدّر لهذا السد أن يتم فسيكون أكبر
سدٍّ في أفريقيا والعاشر في العالم...
من خلال النظرة الموضوعية المتأنية لا بدّ
أن توضح بجلاء الفوائد التي ستعود على السودان ومصر من سد الألفية العظيم والتي
يمكن اختصارها في الآتي:
أولاً:
سيقوم هذا السد بحجز كمياتٍ ضخمةٍ من
الطمي الذي تقتلعه الأنهار الآتية من الهضبة الإثيوبية بسبب اندفاعها الحاد،
والذي تسبب على مرّ السنوات في الحدّ من إمكانيات السدود في السودان ومصر....
لقد تقلّصت الإمكانيات التخزينية لخزانات
سنار والروصيرص وخشم القربة إلى حوالي النصف بسبب الطمي....
كما تقلصت لنفس الأسباب إمكانية توليد
الطاقة الكهربائية من هذه الخزانات بنفس القدر....
وقد بدأت تأثيرات الطمي تظهر أيضاً في
أداء السد العالي في مصر، رغم أن خزانات السودان تمثّل خطّ دفاعٍ رئيس للسد
العالي...
ثانياً:
سيقوم هذا السد بتنظيم انسياب النيل
الأزرق، وبالتالي سيحدّ كثيراً من الفيضانات المدمرة التي تحدث في السودان من
خريفٍ لآخر...
ثالثاً:
بسبب عمق الوادي الذي يقع فيه السد وبسبب
الطقس المعتدل في منطقته فسيكون التبخر من بحيرة السد قليلاً، وتشير بعض
الدراسات أنه لن يتعدى ربع مليار متر مكعب من المياه....
هذا ولابد من الإشارة هنا إلى أن التبخر
من بحيرة السد العالي وحدها يصل إلى حوالي عشر مليارات متر مكعّب سنوياً، بينما
يتبخر حوالي ملياران ونصف متر مكعب من المياه من بحيرة خزان جبل أولياء
(والذي
فقد أسباب بقائه بعد قيام السد العالي).
وتتبخر أيضاً حوالي ست مليارات من المياه
من خزانات سنار والروصيرص وخشم القربة ومروي....
رابعاً:
سوف يُولّد السد قدراً مهولاً من الكهرباء....
ومع الربط الكهربائي الذي يتم حالياً بين
مصر والسودان وإثيوبيا فإنه يمكن توفير قدرٍ كبير من الكهرباء وبأسعار معقولة
لمصر والسودان من هذا السد.
وكما أشرنا أعلاه فإن الطمي قد أثّر على
قدرات سدود السودان ومصر لتوليد الطاقة الكهربائية، كما أن إحتياجات مصر
والسودان من الطاقة الكهربائية متزايدة....
خامساً:
أشارت بعض التقارير أن إثيوبيا عرضت على
السودان شق قناة من بحيرة هذا السد لري أراضي زراعية داخل السودان...
وهذا عرضٌ سخيٌ لايمكن تجاهله، خصوصاً بعد
أن فقد السودان قرابة أربعين في المائة من عائدات البترول بعد إنفصال الجنوب،
وعلى ضوء إعلان السودان التركيز على الزراعة لسد الفجوة الهائلة في ميزان
مدفوعاته....
تبقى مسألة الزمن الذي تنوي
إثيوبيا خلاله ملء بحيرة السد الضخمة....
فكلما قصر الزمن الذي يتم فيه ملء بحيرة
السد، كلما كانت التأثيرات السلبية على مصر والسودان كبيرة.....
عليه لابدّ من الاتفاق على فترةٍ معقولة
لملء بحيرة السد...
ولكن هذه مسألة يمكن الاتفاق عليها
بالتفاوض والنقاش والتعاون بين الدول الثلاث...
لم تعد إثيوبيا الدولة التي تنهكها
المجاعات والحروب والفقر....
فقد بدأ نجمها كقوةٍ إقتصادية وسياسية فى
البروز خلال السنوات الخمس الماضية...
وقد كان اقتصادها العام الماضي خامس
إقتصادٍ في العالم من حيث النمو...
كما أن إثيوبيا قد أكملت بناء عددٍ من
السدود على أنهر النيل وأومو وغينالي وسوف تبدأ في تصدير الكهرباء إلى كينيا
وجيبوتي والسودان الجنوبى خلال العام القادم...
كما أن إثيوبيا قد بدأت في تصدير الغاز
الطبيعي الذي تمّ اكتشافه في إقليم الأوجادن...
وقد ساعدت الزيادة المطردة في أسعار
البُنْ عالمياً في نمو الاقتصاد الإثيوبي أيضاً مما حفّز مزارعيها على المزيد
من الإنتاج...كما
لا بد من إضافة أن إثيوبيا قد أصبحت لاعباً مهماً في السودان...
فقد عهدت الأمم المتحدة من خلال قرار مجلس
الأمن رقم
1990
الذي صدر للقوات الإثيوبية مهمة حفظ الأمن
والسلام في منطقة ابيي المتنازع عليها بقوةٍ عسكريةٍ قوامها
4200
ضابطٍ وجندي...
كما عهدت إليها أيضاُ مهام مراقبة الحدود
بين السودان والسودان الجنوبي من خلال قوّةٍ عسكريةٍ أخرى قوامها
300
ضابطٍ وجندي !!..
إن قبول الدعوة الإثيوبية
للاجتماع الثلاثي الذي سيناقش سد الألفية يصبح أمراً ضرورياً تحتّمه وتمليه
الظروف التي تطرقنا إليها في هذا المقال...
إن هذا الاجتماع يمكن أن يمثّل نقلةً
كبيرةً في تأطير وتفعيل شعار التعاون الذي ظلّ مرفوعاً على مدى العشر سنوات
الماضية دون بروز أية نتائج عملية تتمثل في مشاريع تنموية مشتركة بين دول حوض
النيل...لقد
ذكرتْ بعض التقارير أن إثيوبيا عرضت على مصر والسودان أن تكون ملكية وبناء
وتشغيل السد مسئوليةً ثلاثية، وهذا بالطبع إقتراحٌ سخيٌّ ووجيهٌ وبنّاء،
ولاأعتقد أنه سيكون من السهل على مصر والسودان رفضه أو تجاهله....
إنّ هناك تجارب كثيرة لسدود تملكها
وتديرها مجموعةٌ من الدول المشاطئة...
فقد قامت دول السنغال وموريتانيا ومالي
ببناء سدّين ضخمين على نهر السنغال
(هما
سدّا مانانتالي وماكا دياما)
وادارتهما إدارةً مشتركة، والاستفادة من
الطاقة الكهربائية المولّدة ومن مياه الري في الدول الثلاث...
وقد انضمت إليهم في الأعوام الماضية دولة
غينيا وهي الدولة الرابعة المشاطئة لنهر السنغال...
كما أن هناك سدّ إيتايبو على نهر بارانا
الذي بنته وتملكه وتديره وتستفيد منه دولتا البرازيل وباراغواي...
وهو ثاني أكبر سدٍّ في العالم من حيث
إنتاج الطاقة الكهربائية، بعد سد الخوانق الثلاثة في الصين، إذ يبلغ إنتاجه
حوالي
94000 ميجاواط، تستعمل الدولتان جُلّها
وتصدران الفائض إلى دول الجوار..
وهذه تجارب يتحتم الانتباه إليها
والاستفادة منها...إن
التعاون هوالركيزة الأساسية، إن لم نقل الوحيدة، التي تقوم عليها استخدامات
وإدارة وحماية وتنمية الأحواض المائية المشتركة...
إن اتفاق إثيوبيا ومصر والسودان على العمل
المشترك في سد الألفية، إن تمّ، سيكون بلا شك بدايةً عمليةً موفّقة لبرامج عملٍ
تنمويٍ جادٍ ومتكاملٍ، مبنيٍ على الاستفادة القصوى من إمكانيات حوض النيل
الكبيرة لمواجهة الفقر والتخلف والبؤس الذي يواجه شعوب الحوض، والذين يزدادون
عدداً وفقراً كل عام...
النيل لا يخلق مشكلات
سياسية، وإنما النيل يُستغل في خلافات سياسية
,فعندما
تحدث خلافات سياسية لأسباب خارجة عن النيل والمياه، يصبح النيل عندها موضوعًا
للنـزاع و التهديد، كما حصل أيام حادثة المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس حسني
مبارك في أديس أبابا وتوترت العلاقات السودانية المصرية,
فما كان من الدكتور الترابي إلا أن هدد
بقطع مياه النيل عن مصر
....مصر
دولة مصب، وليست دولة منبع أو دولة مجرى أوسط، وعندما تقول بمشروع في أرضها
لحجز المياه المتدفقة إلى هذه الأرض دون فعل من مصر..
دون قصد من مصر أو دون إجبار من مصر لأحد،
كدولة مصب عندما تنفذ مشروعًا في المجرى في أرضها هي ليست مُطالبة بالتشاور إلا
مع الدول المجاورة التي قد تضار بشكل جانبي أو كعَرَض ثانوي من هذا المشروع،
وهذا ما حدث مع السودان....
لكن حتى لو أن مصر لم تقم ببناء السد
العالي ولم تخزن المياه خلف هذا السد فإن مصير هذه المياه إلى البحر لعدم وجود
أية سدود أخرى على نهر النيل قادرة على تخزين هذه
...المشكلة
من منظور مصر ليست في نقص مياه حوض النيل ولكن في كيفية الحفاظ وحسن إدارة
الثروة المائية في منطقة حوض النيل مما يعود بفائض إضافى على جميع دول حوض
النيل...لان
حجم مياه الأمطار الهابطة داخل حوض النيل يبلغ نحو
1660
مليار متر مكعب سنويا لا يستغل منها ســوى
4%
تشمل حصة مصر الثابتة منذ
50
عاما والباقى يفقـــد إمـا بالبخر أو في
المستنقعات والأحراش أو يذهب إلى المحيط...
مصر حاليا تعتبر من الدول
الداخلة تحت خط الفقر المائى حيث يبلغ نصييب الفرد
860
مترا مكعبا سنويا في حين أن خط الفقر المائى يبدأ
من 1000
متر مكعب سنويا بالإضافة إلى ذلك أن مصر
تعتبر من الدول الفقيرة بمياه الأمطار كما أن مواردها من المياه الجوفية محدودة
ومع الأخذ في الأعتبار نسبة البخر داخل بحيرة ناصر التي تتشكل من الفائض عن حصة
السودان وأنه قد يقل بذلك المخزون الإستراتيجى داخل بحيرة ناصر نظرا لتوسع
السودان في إنشاء السدود كسد مروى الذي أقامته السودان في منطقة النوبة...لكن
هناك بعض الدلائل والحقائق التي ترقى إلى مرتبة الثوابت في شأن خلاف مصر مع دول
حوض النيل حيث أن حصة مصر من مياه نهر النيل المتاحة حاليا وهى
55,5
مليار متر مكعب سنويا والتي لم تعد تلبى احتياجات
مصر حاليا وهى تمثل الحد الأدنى مأمونة ومصونة من خلال
:
الطبيعة الجغرافية
:
فالماء المتدفق من الجنوب إلى الشمال دون تدخل أو
إرادة لبشر فبالتالى يصعب على أى دولة تغيير المنحنيات والانحناءات الصعبة التي
يتخذها مجرى النهر...
الى جانب المكتسبات التاريخية
:
لإن استمرار واستقرار حصة مصر منذ عدد كبير من
العقود على نحو هادئ ورتيب وعلى مرآى ومسمع من العالم كل ذلك يجعل الأمر حقا
مكتسبا، فإذا كان الفرد الطبيعى إذا حاز شيئا لمدة
15
عاما حيازة هادئة فإنه يكتسب ملكيته بالتقادم
وقياسا على ذلك من باب أولى حق مصر الدولة في حصتها من المياه المستقرة لقرون
طويلة وأكدتها العديد من الإتقاقيات...الى
جانب أن مصر لديها غطاء قانونى دولي قوى يحميها من أى تدخل في مقدرات المياه بل
ولديها غطاء عرفى وتنظيمى مع دول الحوض التي وقعت مبادرة حوض النيل
(بروتوكول
روما
1891 – معاهدة أديس أبابا
1902 –
معاهدة لندن
1906 –
معاهدة بين كل من إيطاليا وفرنسا وبريطانيا
1906 –
تبادل مذكرات بين إيطاليا وبريطانيا عام
1925 –
مذكرة القاهرة عام
1929 –
مذكرة عام
1938 –
مذكرة
1953 –
اتفاق مصر والسودان عام
1959 –
اتفاق أوغاندا عام
1991 –
اتفاق أثيوبيا عام
1993)...مع
الوضع فى الحسبان مبادئ القانون وأحكام القضاء الدوليين المتمثلة في المعاهدات
الدولية التي تواجه الزعم بعدم الالتزام بالاتفاقيات التي أبرمت في عهد
الاستعمار
(اتفاقية
فيينا لعام
1978)
المتعلقة بالتوارث الدولي للمعاهدات واستمرار ما
ترتبه من آثار مهما تغيرت أنظمتها الحاكمة...
حكم محكمة العدل الدولية عام
1997
بين سلوفاكيا والمجرحول أحد المشروعات على نهر
الدانوب وقد أكدت المحكمة مبدأ توارث المعاهدات...
والامر الاهم فى الموضوع
القواعد التي تحكم مشاركة البنك الدولي في تمويل أى مشروعات تقام على المجارى
المائية الدولية أي التي تمر بأراض وتقع على شواطئ أكثر من دولة إلى جانب تقديم
المعونات والمساعدات الفنية والذي يعنينا هنا هو أنه يلزم مشاركة البنك الدولي
في أى مشروعات تقام في إحدى دول النهر أن يحصل البنك مسبقا على موافقة أو عدم
ممانعة جميع دول الحوض أو ما يعرف في السياق القانونى بالدول المتشاطئة...
الى جانب ان السد العالى وهو مشروع يوفر
المخزون الإستراتيجى من المياه ويحمى مصر من خطر الفياضانات والجفاف بل ومشرع
عظيم لتوليد الطاقة الكهرومائية...الى
جانب حرص مصر على التعاون المائى مع دول حوض النيل بما لها من خبرة فنية في
إنشاء السدود فهى تقدم الدعم الفنى والمادى لدول حوض النيل لتعظيم استفادتها من
فواقد المياه لديها وتنشيط عملية التنمية...من
المؤكد أن سياسة مصر الهادئة مع دول حوض النيل لأكثر من عشر سنوات سوف تثمر عن
اتفاق مرضى لجميع الأطراف فلا يوجد مجال للتصادم بين أبناء نهر النيل فهو شريان
الحياة لدول حوض النيل فهم يشكلون عائلة واحدة وارد بينهما الاختلاف...
لكن اذا اراد احد افراد العائلة المائية
لدول حوض النيل فرض الامر الواقع واستخدام عضلاته من اجل مصالحة الشخصية فعلى
باقى العائلة ان تقف وبكل قوة حتى يعود الى صوابه مرة اخرى !!..
حمدى السعيد سالم